ارتفعت أسعار المستهلكين في الصين في مارس (آذار) مقارنة بالعام السابق، لتخالف توقعات المحللين وتسلط الضوء على التحديات التي يواجهها ثاني أكبر اقتصاد في العالم في الوقت الذي يحاول فيه تعزيز الطلب المحلي.
يحاول الرئيس الصيني شي جينبينغ نقل الاقتصاد بعيداً عن قطاع العقارات المثقل بالديون نحو التصنيع المتطور في تحول دقيق يؤدي إلى توترات مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في البلاد بنسبة 0.1 في المائة على أساس سنوي في مارس، وفقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة يوم الخميس، أي أقل من 0.7 في المائة في فبراير (شباط) وأقل من توقعات المحللين التي أجرتها «رويترز» والتي بلغت 0.4 في المائة.
ويأتي الرقم الضعيف لمؤشر أسعار المستهلك في الوقت الذي أظهر فيه الاقتصاد الصيني علامات متباينة من الانتعاش في الربع الأول من العام، مع توسع نشاط المصانع للمرة الأولى منذ ستة أشهر في مارس.
لكن المكتب الوطني للإحصاء قال يوم الخميس إن مؤشر أسعار المنتجين انخفض بنسبة 2.8 في المائة، مقارنة مع 2.7 في المائة في فبراير، مع استمرار الضغوط الانكماشية في ملاحقة قطاع التصنيع.
وحدد الحزب الشيوعي هدف نمو بنسبة 5 في المائة لعام 2024، وهو نفس العام الماضي، في اجتماع مارس للبرلمان الصيني – وهو هدف قال المحللون إنه طموح وسيتطلب زيادة دعم التحفيز
ونقلت «رويترز» عن شو تيانشين، كبير الاقتصاديين في وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مجلة «إيكونوميست»: «لقد لعبت التأثيرات الموسمية دوراً بالتأكيد، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد خلال العام الصيني الجديد في فبراير ثم عادت إلى الانخفاض بعد ذلك».
وأضاف شو: «على نطاق أوسع، فإن قضية الطاقة الفائضة تنتقل إلى الأسعار بطريقة من شأنها أن تحبط جهود بنك الشعب الصيني لإنعاش الاقتصاد. انخفضت أسعار السيارات بنسبة 4.6 في المائة سنوياً، مما قد يشير إلى أن الشركات المصنعة تقوم بإدخال تخفيضات أعمق في الأسعار في عملية التوزيع والمبيعات».
وانخفضت أسعار المنتجين في مارس بنسبة 2.8 في المائة على أساس سنوي، من انخفاض بنسبة 2.7 في المائة في الشهر السابق، مواصِلةً فترة طويلة من الانخفاضات استمرت لمدة عام ونصف. وعلى أساس شهري، انخفض مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 0.1 في المائة.
وقال جوليان إيفانز بريتشارد، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في «كابيتال إيكونوميكس»: «على الرغم من أن أسعار المستهلكين لم تعد تنخفض، فإن الاستثمار السريع في القدرة التصنيعية لا يزال يؤثر على أسعار منتجات المصانع».
وفي الأشهر الأخيرة، طرحت الصين مجموعة من الحوافز لتحفيز إنفاق الأسر بما في ذلك قواعد أسهل لقروض السيارات، لكن المستهلكين يظلون حذرين بشأن المشتريات باهظة الثمن وسط مخاوف بشأن الاقتصاد المتعثر وضعف سوق العمل.
وبلغ التضخم الأساسي السنوي، باستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، 0.6 في المائة في مارس، أي أبطأ من 1.2 في المائة في فبراير. وانخفض مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 1.0 في المائة على أساس شهري، متراجعاً عن مكاسب بنسبة 1 في المائة في فبراير وأسوأ من انخفاض بنسبة 0.5 في المائة من قبل الاقتصاديين.
إنعاش الاقتصاد
وتعهد بنك الشعب الصيني في وقت سابق من هذا الشهر بدعم نمو دخل الأسر وتلبية الطلب الائتماني المعقول من المستهلكين مع الحد من «التوسع الأعمى» في الصناعات ذات الطاقة الفائضة.
ويعتقد بعض المحللين أن البنك المركزي يواجه تحدياً حيث يتدفق المزيد من الائتمان إلى الإنتاج بدلاً من الاستهلاك، مما يكشف عن عيوب هيكلية في الاقتصاد ويقلل من فعالية أدوات سياسته النقدية.
وقال لين سونغ، كبير الاقتصاديين للصين الكبرى في «آي إن جي»: «بينما نعتقد أن البيانات ستظهر تدريجياً أن الصين ليست عالقة في دوامة انكماشية، إلا أن التضخم لا يزال أقل بكثير من الهدف، وبالنظر إلى الأساسيات الاقتصادية وحدها، نعتقد أن الاقتصاد سيستفيد من المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة».
كما يثير الضعف المطول في الطلب تساؤلات حول الصعوبات التي تواجهها الحكومة في إيجاد نماذج جديدة للنمو الاقتصادي.
وتتباطأ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وفقاً لبيانات ميزان المدفوعات، حيث تقوم الشركات الأجنبية بإعادة أرباحها للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، بينما يبقي بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة منخفضة لتشجيع الإقراض.
وفي يوم الأربعاء، خفضت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لأسعار الفائدة الائتمانية السيادية في الصين إلى سلبية، مشيرة إلى المخاطر التي تهدد المالية العامة مع تباطؤ النمو واستمرار ارتفاع الديون.
دعم خطط تجارة السلع الاستهلاكية
وفي أحدث محاولة لتحفيز الطلب المحلي ودعم الاقتصاد، قال مسؤولون حكوميون يوم الخميس إن الصين ستقدم تمويلاً قوياً للشركات المشاركة في برنامج تحديث المعدات وتجارة السلع الاستهلاكية.
وكان مجلس الوزراء الصيني أصدر الشهر الماضي خطة عمل تتضمن تدابير مفصلة لتعزيز مبادرة تهدف إلى تعزيز الاستثمار والاستهلاك.
وقال تشاو تشينشين، نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في مؤتمر صحافي: «سيكون هناك دعم مالي من الاستثمار المركزي والصناديق المالية المركزية ومصادر أخرى لتحديث المعدات على نطاق واسع وتجارة السلع الاستهلاكية، وسيكون الدعم قوياً… وفي الوقت نفسه، تدرس الحكومات في مختلف المناطق هذا الأمر بعناية وستوفر أموالاً معينة لدعمها بناءً على وضعها المالي الفعلي».
وقال تشاو إن الاستثمار السنوي في تحديث المعدات في الصين في القطاعات الصناعية والزراعية الرئيسية يتجاوز 5 تريليونات يوان (690.89 مليار دولار)، ويتجاوز الطلب على استبدال السيارات والأجهزة المنزلية تريليون يوان. واعتبر أن البرنامج لن يزيد الاستهلاك والاستثمار فحسب، بل سيعزز الحفاظ على الطاقة والتنمية عالية الجودة.
وقال تشاو إن الصين تهدف إلى تعزيز الاستثمار في المعدات في القطاعات الرئيسية للاقتصاد بنسبة 25 في المائة بين عامي 2023 و2027، إلى جانب الجهود المبذولة لتسريع إعادة تدوير السيارات المستعملة والأجهزة المنزلية.
وقال فو جين لينغ، المسؤول في وزارة المالية، في المؤتمر الصحافي إن الحكومة ستقدم حوافز ضريبية ودعم أسعار الفائدة للشركات المشاركة في تحديث المعدات.