يزداد تردد الشباب في الصين في تأسيس عائلات نتيجة وضع اقتصادي يثير لديهم قلقاً تفاقمه التقاليد الاجتماعية الصارمة المرتبطة بالإنجاب، وإن كانت الحكومة تحاول جاهدة الدفع باتّجاه زيادة معدلات الولادة وتجنّب أزمة ديموغرافية.
تسارع تراجع عدد السكان في الصين عام 2023، وفق ما أظهرت بيانات نشرت الأربعاء، إذ انخفض بأكثر من مليوني نسمة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».
وفي ظل قلقها حيال تراجع معدلات الخصوبة، خففت الحكومة الصينية في السنوات الأخيرة القيود ضمن سياسة الطفل الواحد التي فرضتها على مدى عقود لتسمح بثلاثة أطفال لكل عائلة، بموازاة إقرار تدابير دعم وحض النساء على تأسيس عائلات.
لكن الحوافز والمناشدات لا تغيّر كثيراً ما يصفه خبراء الديموغرافيا بأزمة اقتصادية تتشكّل، فيما يتراجع عدد البالغين الذين يعملون، ويضغط تزايد عدد المتقاعدين على صناديق الضمان الاجتماعي.
يعمل شياوبنغ البالغ 26 عاماً في موقع مخصص للمناسبات ينظّم دروساً وحفلات للأطفال، لكنه يؤكد أنه يفضّل تربية حيواناته الأليفة على إنجاب أطفال.
وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بالنسبة لي، يمكن أن يكون الوضع مع الأطفال أصعب بعض الشيء، في ظل جميع الاعتبارات العملية التي يتعيّن أخذها في الحسبان».
يأتي الإنجاب في الصين عادة بعد عملية مكلفة للغاية تقضي بشراء منزل والعثور على زوج أو زوجة وتغطية تكاليف حفل زفاف باذخ، علما بأن الحكومة تعاقب على الإنجاب خارج إطار الزواج رغم تحرّكات في بعض المناطق مؤخراً لدعم الأمّهات غير المتزوجات.
يسارع الوالدان بعد ذلك لضمان تحقيق أطفالهم نتائج متميّزة في المدارس والجامعات للنجاح في سوق توظيف تشهد منافسة حادة.
وصل معدل كلفة تربية طفل في الصين من الولادة حتى سن الـ18 إلى 485 ألف يوان (68 ألف دولار) عام 2019، بحسب مركز «يو وا للأبحاث السكانية»، ومقره بكين.
وبلغ هذا الرقم سبعة أضعاف إجمالي الناتج الداخلي للفرد في ذلك العام، وهي نسبة تتجاوز بشكل كبير تلك المسجلة في الولايات المتحدة (4.11) أو أستراليا (2.08).
لا يشمل المبلغ الشقة التي يُتوقع من الآباء عادة مساعدة أبنائهم على شرائها ليتمكنوا من العثور على زوجة.
وقال شياوبنغ «بالنسبة لأصدقائي، إذا أمّنوا وظيفة ثابتة واستقروا مهنياً… فسيرغبون في الأطفال».
وأضاف: «أما بالنسبة لي، فأشعر أن تربية الحيوانات الأليفة أنسب من تربية طفل».
«لا زواج… لا أطفال»
أوضح الخبير الصيني المستقل المتخصص في الديموغرافيا، هي يافو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «الجيل الأصغر سناً بدّل بشكل جوهري مفهومه للخصوبة ولا يرغب في المجمل في إنجاب مزيد من الأطفال».
ويتباهى عدد متزايد من الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي بأنماط الحياة التي يعيشونها من دون أطفال.
ويحظى موضوع تحت عنوان «لا زواج، لا أطفال» بشعبية واسعة على موقع «دوبان»، حيث يتبادل آلاف المستخدمين وجهات النظر ويسعون للحصول على تطمينات بشأن اختيارهم العيش من دون أطفال.
وسألت إحداهن مؤخراً «هل يمكن لك حقاً أن تقدّمي كل هذه التضحيات فقط لتسمعي شخصاً ما يناديك أمي؟».
وتؤكد كاو، وهي أم لطفل واحد في الثلاثينات من عمرها من مدينة شيان الغربية، أن العديد من أصدقائها أزواج يحصلون على دخلين ولكنهم لا ينجبون الأطفال.
وأشارت إلى المخاوف الاقتصادية بوصفها سبباً يدفع الناس للتردد في الإنجاب.
وقالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قبل أن تنجب الأطفال عليك التفكير في تعليمهم. يرغب الناس بالتأكد من أن أطفالهم سيرتادون أفضل المدارس».
وبينما تعد رسوم التعليم في القطاع الحكومي ميسورة الكلفة نسبياً في الصين، فإن المدارس المرموقة تمنح أولوية لقبول الأطفال الذين يقطنون في مكان قريب، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في تكاليف المساكن المكتظة والقديمة الواقعة في مناطق قريبة من تلك المدارس.
عمل المرأة
بخلاف كثيرين، أفادت كاو التي طلبت التعريف عنها باسم عائلتها فحسب، بأن بإمكانها الاعتماد على مساعدة كبيرة من زوجها في رعاية طفلها.
وعام 2021 حصل 63.7 في المائة من الأطفال الصينيين تحت سن الثالثة على الرعاية بشكل أساسي من أمهاتهم خلال فترات النهار، وفق تقرير للأمم المتحدة.
وكرّست النساء العاملات ضعف الوقت الذي كرّسه الرجال لأفراد العائلة.
ورغم الجهود الحكومية لزيادة مشاركة الآباء في رعاية الأطفال، تبلغ مدة إجازة الأبوة على الصعيد الوطني نحو أسبوعين، فيما تبلغ إجازة الأمومة ثلاثة أشهر.
ولفت شياوبنغ إلى أن العديد من النساء يصطحبن أطفالهن معهن إلى أماكن عملهنّ.
وتؤكد شيانغ (28 عاماً) التي كانت في زيارة مع زوجها إلى مستشفى في شنغهاي فيما تنتظر مولودها الأول، أن الحمل «مرهق».
وتفكّر في توظيف مربية دائمة لديها أو حتى الانتقال إلى فندق مخصص لهذا الغرض بعد الولادة خلال فترة 30 يوماً، يتوقع خلالها أن تحصل الأمّهات على وجبات ورعاية خاصة بعد الإنجاب، في تقليد يمكن أن يكلف عشرات آلاف الدولارات في كل ولادة.
وهي تعتقد أن معظم الشباب يقيّمون بشكل «شامل» كلفة رعاية الأطفال قبل الإنجاب.
وقالت: «لا يمكنك القول ببساطة إنك ستنجب طفلاً ومن ثم تقوم بالأمر… تتطلب تنشئة الطفل دعماً هائلاً سواء مالياً أو نفسياً».